أساسيات تصميم مبانى رياض الأطفال وتأثيرها التربوى على تکوين وتنمية شخصيات الأجيال الجديدة

المؤلف

دکتوراه الفنون التطبيقية فى التصميم الداخلى والأثاث مدرس بقسم العمارة بکلية تصاميم البيئة جامعة الملک عبد العزيز المملکة العربية السعودية

المستخلص

     يشکل الأطفال ثلث عدد سکان العالم تقريباً، إلا أن أهمية الطفولة لا تنبع من مجرد ضخامة العدد فى حد ذاته بل من کونهم نواة المستقبل، أو هم المستقبل ذاته لأنه ملک لهم ويجب أن نهيئ الظروف المناسبة لکى يسيروا نحوه فى خطى قوية وثابتة، ويمثل الإهتمام بتربية الطفل ورعايته منذ مرحلة الطفولة الباکرة واحداً من أهم المعايير التى يمکن أن يقاس بها تقدم أى مجتمع ومدى تحضره، کما أن رعاية الأطفال وتربيتهم هو إعداد لمواجهة التحديات الحضارية التى تفرضها حتمية التطور والتغير الإجتماعى، إن جوهر الصراع العالمى هو سباق فى تطوير التعليم، وأن حقيقة التنافس الذى يجرى فى العالم هو تنافس تعليمى. ولذلک يبحث التربويون بإستمرار عن أفضل الطرق والوسائل لتوفير بيئة تعليمية تفاعلية تثرى العملية التعليمية، وترفع من قدرات المتعلمين، ونظراً لأهمية بناء بيئة تعليمية مناسبة لمتطلبات العصر لجأ التربويون إلى المصمم الداخلى المتخصص لبناء وتصميم الفصل الدراسى الذى يوفر المناخ التربوى والتعليمى بشکل جيد، والذى يقوم على تکنولوجيا التعليم العصرية. فالطفل هو اللبنة الأولى لبناء إنسان الغد المتطور، وصناعة قادة المستقبل فإذا ما أعددناه جيداً، ووفرنا له وسائل التعليم وسخرنا له بعض الجهد أعددنا جيلاً قوياً مثقفاً طموحاً قادراً على العطاء الإبداعى السليم، عطاء العمل والإنجاز والإبتکار والتميز. وهذا يحتم علينا الإهتمام برعاية الأطفال والإهتمام بتنشئتهم منذ السنوات الأولى من حياتهم التى تعد من أهم المراحل فى تکوين شخصيتهم، ففى هذه المرحلة يکون شديد القابلية للتأثر بالعوامل المختلفة المحيطة به فى الأسرة والمجتمع بصورة تترک بصماتها الواضحة عليه طوال حياته، وجاءت أهمية التصميم بعدما أصبحت التکنولوجيا المعاصرة جزء من التعليم بجميع مراحله، فأصبحت الوسائط المتعددة Multimedia تعنى الجمع بين الصوت والصورة والحرکة والرسوم من خلال برامج الحاسب الآلى. وأثبتت جدواها من خلال المواقف التعليمية المختلفة، واستخدمها ملايين الدارسين حول العالم، وشکلت واقعاً تعليمياً معروف جدواه من العملية التربوية ومن مجالات التدريب المختلفة. کما أن للتصميم دوراً أهم فى توفير حياة آمنة للأطفال بجانب إتاحة کل وسائل اللعب والترفيه والألعاب التعليمية التى تساعد فى تکوين وبناء شخصية المستقبل.
إن مرحلة رياض الأطفال مرحلة تعليمية هادفة لا تقل أهمية عن المراحل التعليمية الأخرى، فهى مؤسسات تربوية واجتماعية تسعى إلى تأهيل الطفل تأهيلاً سليماً للالتحاق بالمرحلة الابتدائية، وتقوم فلسفة مشروع الطفولة المبکرة على مجموعة من المبادئ والمفاهيم الرئيسية التى تعکس الرؤية المستقبلية للتعليم وإستراتيجية تنمية الطفولة المبکرة، حيث إن الإهتمام بالطفولة هو إهتمام بالحاضر والمستقبل معاً، وتعتبر مرحلة السنوات الخمس الأولى من أهم المراحل فى حياة الإنسان، فالمجتمع الواعى هو الذى يعرف، ويقدر مدى أهمية مرحلة الطفولة ولذلک يوليها من العناية والرعاية والإهتمام أکثر مما يولى أية مرحلة أخرى وتعتبر هذه الفترة هى فترة المرونة والقابلية للتعلم وتطوير المهارات، کما أنها فترة النشاط والنمو الأکبر. وعلى المصمم دراسة هذه الشريحة العمرية، للتعرف على سيکولوجية طفل هذه المرحلة والوقوف على متطلباتهم، وأصبح على المصمم متابعة کل التطورات والمستجدات التعليمية المستحدثة، حتى يکون قادر على توفير متطلبات البيئة التعليمية وتقنياتها المعاصرة، ووضع الحلول المناسبة لها, والإهتمام بالأسس والمعايير النموذجية المطلوبة فى تصميم الروضة، من حيث کفاءة الأداء الوظيفى وتحديد طرق ووسائل المعالجة المناسبة، والمتطلبات الوظيفية وعناصر التصميم الداخلى ومکملاته بما يحقق الأهداف التعليمية، ووفقاً لما توصل إليه العالم المتحضر.
إن مشکلة البحث برزت من القصور الواضح فى کثير من مبانى دور رياض الأطفال، وأن معظم مبانى رياض الأطفال (حوالى 75%) تم تحويلها من مبانى سکنية لتکون رياض، والتى أکدتها إحصائيات الجهاز المرکزى للتعبئة والإحصاء فى مصر عام 2013، ولم تبنى أساساً لتحقق الغرض الوظيفى مما ينتج عنه الکثير من المشاکل التصميمية والتنفيذية التى لا تحقق الأهداف التربوية والتعليمية، ولا تساعد على بناء ونمو أبناء المستقبل. وهذا لا يأتى إلا من خلال توفير الأسس والمعايير التصميمية داخل البيئة التعليمية، لتکتمل فيها کل مواصفات وعناصر التصميم الداخلى التى تراعى وجود الطفل وتقدر شخصيته، حيث تغيرت واختلفت طرق وأساليب التعليم، فأثر ذلک على شکل وتصميم الفصل الدراسى.
وتهدف الدراسة إلى تصميم دور رياض أطفال مصرية برؤية عالمية، يمکن من خلالها أن نبنى إنسانا يشارک بشکل فعال وإيجابى فى بناء مجتمعه ووطنه، قادراً على التواصل والتفاعل مع معطيات العصر، نبنى فيه مهارات التخطيط والفکر النقدى، واستثارة تفکيرهم الإبداعى، وتوفير حياة آمنة لهم، بجانب إتاحة کل وسائل اللعب والترفيه والألعاب التعليمية، لإستنفار الطاقات الکامنة لدى الأطفال، کل هذا يسهم فى خلق الجو النفسى المساعد على نمو الأطفال، ويشجع على الإبداع العقلى والجسمانى.
وتأتى أهمية البحث تجاوباً مع التحول العالمى بتطوير رياض الأطفال، وإستحداث أساليب وطرق جديدة لتربية الطفل، حيث بدأ العالم المتحضر الإهتمام بتطوير رياض الأطفال مع نهاية التسعينيات من القرن الماضى، حيث إستخدم تقنيات التعليم الحديثة، وکان أهما إدخال التکنولوجيا المتطورة فى العمل التعليمى للطفل، وتحويل الفصول التقليدية إلى فصول تحمل الطابع المعاصر لتکنولوجيا التقنيات الحديثة، حتى وصلت إلى ما عليه الآن بانتشار الفصول الافتراضية والتى تعتمد على التقنيات التعليمية الحديثة وهى تعد من الأسس الراسخة التى تستند عليها مدرسة المستقبل.